فصل: باب إِذَا زَارَ الإمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح صحيح البخاري لابن بطال ***


بسم الله الرحمن الرحيم

أبواب الجماعة والإمامة

باب وُجُوبِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ

وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا‏.‏

- فيه‏:‏ أَبو هُرَيْرَةَ، قال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ ليحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ الْعِشَاءَ‏)‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لقد هممت أن آمر بحطب ليحطب‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، دليل على تأكيد الجماعة، وعظيم أمرها، وقد أمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات بقوله‏:‏ ‏(‏حافظوا على الصلوات‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 238‏]‏، ومن تمام محافظتها صلاتها فى جماعة‏.‏

وأجمع الفقهاء أن الجماعة فى الصلوات سنة إلا أهل الظاهر، فإنها عندهم فريضة، واحتجوا بهذا الحديث، وقالوا‏:‏ هى كل صلاة‏.‏

واختلفوا فى الصلاة التى هم النبى عليه السلام، بأن يأمر فيحطب فيحرق رجلٌ من تخلف عنها، فقالت طائفة‏:‏ هى صلاة العشاء، واحتجوا بما رواه ابن وهب، عن ابن أبى ذئب، عن عجلان مولى المشمعل، عن أبى هريرة قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏لينتهين رجال ممن حول المسجد لا يشهدون العشاء، أو لأحرقن حول بيوتهم‏)‏، ويشهد لهذا القول قوله‏:‏ ‏(‏لو يعلم أحدهم أنه يجد عظمًا سمينًا، لشهد العشاء‏)‏، هذا قول سعيد بن المسيب، وقال آخرون‏:‏ هى الجمعة، رواه أبو إسحاق، عن أبى الأحوص، عن عبد الله، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏(‏هى الجمعة‏)‏، وهو قول الحسن البصرى، وقاله يحيى بن معين‏:‏ أن الحديث فى الإحراق على من تخلف عن الرسول‏:‏ يوم الجمعة لا فى غيرها‏.‏

ومما يدل أن صلاة الجماعة سنة ما روى عن ابن مسعود أنه قال‏:‏ ‏(‏عليكم بالصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن نبيكم، ولو تركتم سنته لضللتم، ولقد عهدتنا، وإن الرجل ليهادى بين رجلين حتى يقام فى الصف‏)‏، ومما يدل على أنها سنة أن نبى الله لم يقل لهم حين توعدهم بالإحراق عليهم، أنه من تخلف عن الجماعة، فلا تجزئه صلاته، ولو كانت فرضًا ما سكت عن ذلك؛ لأن البيان منه لأمته فرض عليه‏.‏

قال المهلب‏:‏ وقد قيل إن هذا الحديث أريد به المنافقون، وإليهم توجه الوعيد فيه، واحتج قائل ذلك بأن الرسول أقسم أنه لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء، وليس هذا من صفات المؤمنين، وقيل‏:‏ إن الحديث فى المؤمنين والوعيد إليهم متوجه، والدليل على ذلك قصة كعب بن مالك وصاحبيه، وأن الله سبحانه وبخهم بذلك ولم يوبخ المنافقين، ولا ذكرهم، ولا عُنى بإخراجهم إلى الصلاة، ولا التفت إلى شىء من أمرهم، بل كان معرضًا عنهم عالمًا بسوء طويتهم، فكيف كان يعنى بتأديبهم على ترك الصلاة فى الجماعة، وهو يعلم أنه لا صلاة لهم، ولا يلزمه التهمم بأمرهم، لما كان أطلعه الله عليه من فساد نياتهم‏.‏

والعِرْقُ‏:‏ العظم إذا كان عليه لحم، وقد تَعَرَّقْتُ العظم واعترقْتُه، وعَرَقْتُه، وأعرقه عرقًا‏:‏ أكلت ما عليه، ورجل معروق، ومعترق‏:‏ خفيف اللحم، فإذا كان العظم لا لحم عليه فهو عِرَاق، من كتاب ‏(‏العين‏)‏‏.‏

وفيه‏:‏ العقوبة فى الأموال على ترك السنن؛ لأن نبى الله لم يهم من الإحراق إلا بما يجوز له فعله، وسيأتى هذا الحديث فى أبواب الإشخاص والملازمة، وفى كتاب الأحكام، وترجم له فيها‏:‏ باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت، وفيه شىء من الكلام على حسب ما يقتضيه التبويب‏.‏

وأما ضربه عليه السلام المثل بالعظم السمين والمرماتين، فإنه أراد الشىء الحقير، وقال أبو عبيد‏:‏ ‏(‏المرماتين‏:‏ ما بين ظلفى الشاة، وهذا حرف لا أدرى ما وجهه‏)‏‏.‏

وقال الحربى‏:‏ وهو قول الخليل، ولا أحسب هذا معنى الحديث، ولكنه كما أخبرنى أبو نصر، عن الأصمعى قال‏:‏ المرماة‏:‏ سهم الهدف، ويصدق هذا ما حدثنى به عبيد الله بن عمر، عن معاذ، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن، عن أبى رافع، عن أبى هريرة أن الرسول قال‏:‏ ‏(‏لو أن أحدكم إذا شهد الصلاة معى كان له عظم من شاة سمينة أو سهمان، لفعل‏)‏، وقال أبو عمرو‏:‏ مرماة ومرام، وهى الدقاق من السهام المستوية‏.‏

باب فَضْلِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ

وَكَانَ الأسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ‏.‏

وَجَاءَ أَنَسُ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً‏.‏

- فيه‏:‏ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّ الرَسُولَ قَالَ‏:‏ ‏(‏صَلاةُ الْجَمَاعَةِ، تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أبو سعيد مثله‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبَو هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ‏:‏ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لا يُخْرِجُهُ إِلا الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ بسبع وعشرين درجة، وخمس وعشرين ضعفًا، وخمس وعشرين جزءًا، يدل على تضعيف ثواب المصلى فى جماعة على ثواب المصلى وحده بهذه الأجزاء وهذه الأوصاف المذكورة، وقد استدل قوم بهذا الحديث على أن الأفضل لكثير الجماعة على قليلها، وبما عليه أكثر العلماء فيمن صلى جماعة اثنين فما فوقهما، أن لا يعيد فى جماعة أخرى أكثر منها، وقد روينا آثار مرفوعة عن أبى بن كعب وغيره أن كلما كثرت الجماعة كان ثواب المصلى أكثر، وليست بالقوية، ولا مدخل للقياس فى الفضائل، وإنما يقال لما صح التوقيف فيه‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ وهذه الأحاديث تدل على أن الصلاة فى جماعة سنة، كما قال الفقهاء، وخالف ذلك أهل الظاهر، وقالوا‏:‏ صلاة الجماعة فريضة، والدلالة عليهم منها فى وجهين اثنين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه أثبت صلاة الفذ وسماها صلاة، وهم يقولون‏:‏ ليست بصلاة، والثانى‏:‏ أنه عليه السلام فاضل بينهما، فأثبت للجماعة فضلاً، فدل أن المنفردة فاضلة إلا أن مرتبتها أنقص‏.‏

وهذه الدرجات والأجزاء التى تفضل بها صلاة الجماعة، منها فى حديث أبى هريرة‏:‏ أربع؛ لقوله‏:‏ ‏(‏وذلك أنه إذا توضأ، ثم خرج إلى المسجد‏)‏؛ لأن قوله‏:‏ ‏(‏وذلك‏)‏ إشارة إلى تفسير الجمل المذكورة فى أول الكلام، فقوله‏:‏ ‏(‏ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة‏)‏، هذه درجة وهى نية الصلاة فى جماعة، وقوله‏:‏ ‏(‏لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة‏)‏، فهذه درجة ثانية، وقوله‏:‏ ‏(‏فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلى عليه مادام فى مصلاه‏)‏، وهذه درجة ثالثة، والدرجة الرابعة قوله‏:‏ ‏(‏إن أحدكم فى صلاة ما انتظر الصلاة‏)‏‏.‏

وفى حديث آخر لأبى هريرة قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لو يعلم الناس ما فى النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا‏)‏، فهاتان درجتان، و ‏(‏لو يعلمون ما فى التهجير، لاستبقوا إليه‏)‏، فهذه درجة، وقوله‏:‏ ‏(‏لو يعلمون ما فى العتمة والصبح‏)‏ يريد فضل اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار فى الصبح، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن قرآن الفجر كان مشهودًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 78‏]‏، وقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏تجتمع فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار فى العصر والفجر‏)‏، فهاتان درجتان، وتمام الدرجات الباقية من جنس هذه المذكورة لا محالة، فطلبنا فى الآثار والقرآن، ما جانس هذه الدرجات، مما تختص به صلاة الجماعة، وليست للفذ، فوجدنا منها‏:‏ إجابة النداء إلى الصلاة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أجيبوا داعى الله‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 31‏]‏، ولقوله‏:‏ ‏(‏إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ 9‏]‏‏.‏

ومنها‏:‏ لزوم الخشوع فى السير إلى المسجد، لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ائتوا الصلاة وعليكم السكينة‏)‏‏.‏

ومنها‏:‏ لزوم الذكر فى سيره، وقد روى وكيع، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبى سعيد الخدرى، قال‏:‏ ‏(‏من قال إذا خرج إلى الصلاة‏:‏ اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاى هذا، لم أخرجه أشرا، ولا بطرًا، ولا رياءً، ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، واتباع مرضاتك، أسألك أن تنقذنى من النار، وأن تدخلنى الجنة، وأن تغفر لى ذنوبى، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت؛ خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضى صلاته‏)‏‏.‏

ومثل هذا لا يدرك بالرأى، ولا يكون إلا عن الرسول‏.‏

ومنها‏:‏ السلام على الرسول، والدعاء عند دخوله فى المسجد، وعند خروجه، فهاتان درجتان، روى النسائى من حديث المقبرى، عن أبى هريرة، عن النبى، عليه السلام، قال‏:‏ ‏(‏إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبى، عليه السلام، وليقل‏:‏ اللهم افتح لى أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبى، وليقل‏:‏ اللهم اعصمنى من الشيطان‏)‏‏.‏

ومنها‏:‏ السلام عند دخوله فى المسجد، إن كان خاليًا، فقد روى عن ابن عباس فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فسلموا على أنفسكم‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 61‏]‏، قال‏:‏ هو المسجد إذا دخلته فقل‏:‏ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين‏.‏

ومنها‏:‏ الركوع فى المسجد عند دخوله، فقد أمر الرسول بذلك وهو تحية المسجد‏.‏

ومنها‏:‏ ترك الخوض فى أمر الدنيا؛ لحرمة المسجد والصلاة، وذكر الله تعالى، فيه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 36‏]‏، وكان عمر يضرب الناس على ذكر الدنيا فى المسجد، واتخذ البطحاء لمن أراد اللغط فيه‏.‏

ومنها‏:‏ إجابة الدعاء بحضرة النداء للصلاة، فقد قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏ساعتان لا يرد فيهما الدعاء‏:‏ حضرة النداء، والصف فى سبيل الله‏)‏‏.‏

ومنها‏:‏ اعتدال الصفوف، وإقامتها، والتراصص فيها، وإلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم، فقد جاء فى الحديث أن ذلك من تمام الصلاة‏.‏

ومنها‏:‏ استماع قراءة الإمام والتدبر لها، وقد جاء فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 204‏]‏، أن ذلك فى الصلاة‏.‏

ومنها‏:‏ قوله‏:‏ ربنا ولك الحمد إذا قال الإمام‏:‏ سمع الله لمن حمده، كما جاء فى الحديث‏.‏

ومنها‏:‏ شهادة الملائكة لمن حضر الجماعة؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون‏)‏‏.‏

ومنها‏:‏ تحرى موافقة الإمام فى الجماعة، فلا يختلف على الإمام فى القرآن والعمل؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه‏)‏‏.‏

ومنها‏:‏ فضل تسليمه على الإمام وعلى من بجنبه‏.‏

ومنها‏:‏ فضل دعاء الجماعة‏.‏

ومنها‏:‏ الاعتصام بالجماعة من سهو الشيطان؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أَصَدَقَ ذُو اليدين‏)‏، ولا يجوز على الجماعة كلها السهو، فتمت سبعةً وعشرين درجة‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فما معنى اختلاف الدرجات والأجزاء فى الآثار، فمرة قال‏:‏ ‏(‏بسبع وعشرين درجة‏)‏، ومرة قال‏:‏ ‏(‏بخمسة وعشرين جزءًا‏؟‏‏)‏‏.‏

فالجواب‏:‏ أن الفضائل لا تدرك بالرأى، وإنما تدرك بالتوقيف، وهذا الاختلاف له معنى صحيح يؤيد بعضه بعضًا، وذلك أنه يحتمل أن يكون عليه السلام أعلمه الله عز وجل، أن فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمسة وعشرين جزءًا، ثم زاد تعالى فى فضل الجماعة على صلاة الفذ، فكمله سبعًا وعشرين، ومثل هذا المعنى كثير فى شريعته عليه السلام‏.‏

فقد أخبر عليه السلام أنه من ‏(‏صلى عليه مائة من المؤمنين، شفعوا فيه‏)‏، وفى حديث آخر‏:‏ ‏(‏من صلى عليه أربعون‏)‏‏.‏

وفى حديث آخر‏:‏ ‏(‏ما من مسلم يشهد له أربعة بخير إلا أدخله الله الجنة، فقيل‏:‏ وثلاثة‏؟‏ قال‏:‏ وثلاثة، قيل‏:‏ واثنان‏؟‏ قال‏:‏ واثنان‏)‏‏.‏

وهذا كله إنما كان ينزل على النبى فيه الوحى، ويعلم بما لم يعلم قبل ذلك، كما قال له تعالى‏:‏ ‏{‏قل ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 46‏]‏، ثم أعلمه بعد ذلك أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكان يخبر أمته على حسب ما يوحى إليه، ولم ينطق عن الهوى، فكذلك تضعيف ثواب صلاة الجماعة، والله أعلم‏.‏

وفيه وجه آخر يحتمل أن يكون السبع والعشرون الدرجة للعشاء والصبح، ويكون لسائر الصلوات خمس وعشرون درجة، وسأذكر وجه ذلك فى الباب بعد هذا إن شاء الله‏.‏

وأما ما روى عن الأسود أنه كان يتبع المساجد إذا فاتته الجماعة، فقد روى ذلك عن حذيفة، وسعيد بن جبير، وذكر الطحاوى، عن الكوفيين ومالك‏:‏ إن شاء صلى فى مسجده وحده، وإن شاء أتى مسجدًا آخر فطلب فيه الجماعة، إلا أن مالكًا قال‏:‏ إلا أن يكون فى المسجد الحرام، أو مسجد الرسول فلا يخرجوا منه، ويصلوا فيه وحدانًا؛ لأن هذين المسجدين للفذ أعظم أجرًا ممن صلى فى جماعة‏.‏

وقال الحسن البصرى‏:‏ ما رأينا المهاجرين يتبعون المساجد، قال الطحاوى‏:‏ والحجة لمالك أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة، والصلاة فى المسجد الحرام، ومسجد الرسول أفضل من الصلاة فى غيرهما؛ فلذلك لا يتركهما ابتغاء الصلاة فى غيرهما، وفى مختصر ابن شعبان عن مالك‏:‏ أنه من صلى فى جماعة فلا يعيد فى جماعة إلا فى مسجد مكة والمدينة‏.‏

وأما صلاة اثنين جماعة فى مسجد قد جمع فيه، فإن العلماء اختلفوا فى ذلك، فروى عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود فى مسجد قد جمع فيه، وهو قول عطاء، والحسن البصرى فى رواية، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق، وأشهب صاحب مالك‏.‏

وروى ابن مزين عن أصبغ قال‏:‏ دخلت المسجد مع أشهب وقد صلى الإمام، فقال‏:‏ يا أصبغ ائتم بى وتنحى إلى زاوية، فائتممت به، واحتج أحمد فى ذلك بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏صلاة الجمع تزيد على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة‏)‏‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا تجمع فى مسجد مرتين، روى ذلك عن سالم، والقاسم، وأبى قلابة، وهو قول مالك، والليث، والثورى، والأوزاعى، وأبى حنيفة، والشافعى‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنما كره ذلك خشية افتراق الكلمة، وأن أهل البدع يتطرقون إلى مخالفة الجماعة، وقال مالك، والشافعى‏:‏ إذا كان مسجد على طريق ولا إمام له، أنه لا بأس أن يجمع فيه قوم بعد قوم‏.‏

باب فَضْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ

- فيه‏:‏ أَبَو هُرَيْرَةَ أن نبى الله قَالَ‏:‏ ‏(‏تَفْضُلُ صَلاةُ الْجَمْعِ صَلاةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ‏)‏، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ‏:‏ ‏(‏إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا‏}‏ ‏[‏الإسراء 78‏]‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو الدَّرْدَاء قال‏:‏ مَا أَعْرِفُ مِنْ مُحَمَّدٍ عليه السلام، شَيْئًا إِلا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبِي مُوسَى، قَالَ رسول الله‏:‏ ‏(‏أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ مَمْشًى‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ قد بيَّن فى هذا الباب المعنى الذى أوجب التفضيل لشهود الفجر فى جماعة، وهو اجتماع ملائكة الليل، والنهار فيها، ولقد قال عمر بن الخطاب‏:‏ لأن أشهد الفجر فى جماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة، وقد روى أبو هريرة عن الرسول أن ملائكة الليل والنهار يجتمعون فى صلاة العصر أيضًا‏.‏

قال المهلب‏:‏ فلما خص الفجر بشهود الملائكة لها، وكان مثل ذلك فى صلاة العصر، وأشبهت الفجر فى هذه الفضيلة، أمر الرسول بالمحافظة على العصر ليكون من حضرهما ترفع الملائكة عمله، وتشفع له‏.‏

قال المؤلف‏:‏ ويمكن أن يكون اجتماع الملائكة فى الفجر والعصر هُما الدرجتان الزائدتان على الخمسة والعشرين جزءًا فى سائر الصلوات التى لا تجتمع الملائكة فيها، والله أعلم، وإنما قلت هذا من قول أبى هريرة‏:‏ سمعت الرسول يقول‏:‏ ‏(‏تفضل صلاة الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءًا، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلاة الفجر‏)‏، فذكر اجتماع الملائكة فى الفجر بواو فاصلة، واستأنف الكلام، وقطعه من الجملة المتقدمة، فدل ذلك على أن اجتماع الملائكة يوجب فضلاً ودرجة زائدة على الخمسة وعشرين، فصارتا درجتين للفجر والعصر، ليستا لغيرهما من الصلوات‏.‏

وقال المهلب‏:‏ وفى حديث أبى الدرداء جواز الغضب عند تغير الدين وتغير أحوال الناس فى معاشرتهم، وإنكار المنكر بالغضب إذا لم يستطع على أكثر من ذلك، وهو أضعف الإيمان‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ما أعرف من محمد شيئًا‏)‏، يريد من‏:‏ شريعة محمد شيئًا لم يتغير عما كان عليه إلا الصلاة فى جماعة، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏أعظم الناس فى الصلاة أجرًا أبعدهم ممشى‏)‏، فذلك لكثرة الخطا، وقد روى هذا عن الرسول‏.‏

باب فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ‏)‏، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏(‏الشُّهَدَاءُ خَمْسَ‏:‏ الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏)‏، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ، وَالصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا‏)‏‏.‏

والتهجير‏:‏ السير فى الهاجرة، وهى شدة الحر، ويدخل فى معنى التهجير المسارعة إلى الصلوات كلها قبل دخول أوقاتها؛ ليحصل له فضل الانتظار قبل الصلاة‏.‏

قال المؤلف‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولو يعلمون ما فى التهجير لا ستبقوا إليه‏)‏، يدل أن صلاة الظهر عند الزوال أفضل، يدل على ذلك قوله عليه السلام، حين سئل‏:‏ أى العمل أفضل‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الصلاة لأول وقتها‏)‏ وقد تقدم أن الآثار التى وردت بالإبراد، ليست بمعارضة لهذا الحديث، بل هى رخصة لفضل الجماعة، وليتسع الناس فى الاجتماع، وهذا الحديث فيه ثلاثة أحاديث جمعها أبو هريرة فى مساق واحد، وقد يمكن أن يكون سمعها من الرسول فى وقت واحد، والله أعلم، فأتى بها كما سمعها‏.‏

وفيه من الفقه‏:‏ أن نزع الأذى من الطريق من الأعمال الصالحة التى يرجى بها الغفران من الله تعالى، وقد قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق‏)‏‏.‏

باب احْتِسَابِ الآثَارِ

وقال مجاهد‏:‏ خطاكم آثار المشى فى الأرض بأرجلكم‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَس قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام‏:‏ ‏(‏يَا بَنِي سَلِمَةَ، أَلا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏ألا تحتسبون آثاركم‏)‏، إنما قال لهم ذلك؛ لأنهم كانوا على بُعدٍ من مسجده عليه السلام، فأرادوا أن يتحولوا بقرب المسجد فكره النبى، عليه السلام، أن يعرى المدينة‏.‏

قال المهلب‏:‏ فحضهم على البقاء واحتساب الآثار، واستشعارهم النية والإخلاص لله تعالى، فى مشيهم، ودخل فى معنى ذلك كل ما يصنع لله تعالى من قليل أو كثير، أن يراد به وجهه، تعالى، ويخلص له فيه، وهو الذى يزكوا ثوابه وأجره، وقال ابن عباس‏:‏ فى الأنصار نزلت حين أرادوا أن ينتقلوا‏:‏ ‏(‏ونكتب ما قدموا ‏(‏أعمالهم،‏)‏ وآثارهم‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 12‏]‏، فيما مشوا أبعدهم مكانًا‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وفيه من الفقه صحة قول القائل‏:‏ تفضل المقاربة بين الخطا فى المشى إلى الصلاة على الإسراع إليها، وذلك أن ابن عباس ذكر أن قول الله‏:‏ ‏(‏ونكتب ما قدموا وآثارهم‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 12‏]‏، نزلت إعلامًا من الله تعالى نبيه أنه يكتب خطا المشائين إلى الصلاة، ويوجب لهم ثوابًا؛ حضًا منه تعالى للذين أرادوا النقلة إلى قرب مسجده على الثبات فى مواضعهم، وإن نأتْ، وترغيبًا لهم فى احتساب خطاهم، ومشيهم إلى الصلاة، وقد روى عن الرسول أن من بعد من المسجد أفضل‏.‏

وروى ابن أبى شيبة، عن وكيع، عن ابن أبى ذئب، عن عبد الرحمن بن مهران، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن أبى هريرة قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏الأبعد فالأبعد من المساجد أعظم أجرًا‏)‏‏.‏

وروى عن أنس أنه كان يتجاوز المساجد المحدثة إلى المساجد القديمة، وفعله مجاهد وأبو وائل، وقد روى عن بعضهم خلاف هذا، سئل الحسن‏:‏ أيدع الرجل مسجد قومه ويأتى غيره‏؟‏ قال‏:‏ كانوا يحبون أن يكثر الرجل قومه بنفسه‏.‏

وسئل أبو عبد الله بن لبابة عن الذى يدع مسجده ويصلى فى الجامع للفضل فى كثرة الناس فقال‏:‏ لا يدع مسجده، وإنما فضل الجامع فى صلاة الجمعة فقط‏.‏

باب فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ

- فيه‏:‏ أَبو هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رسول الله‏:‏ ‏(‏لَيْسَ صَلاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا، لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، ولَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةِ بَعْدُ‏)‏‏.‏

قد تقدم الكلام فى معنى هذا الحديث فى باب ‏(‏الاستهام للأذان‏)‏، فلا معنى لإعادته، وبهذا الحديث احتج من قال‏:‏ إن الوعيد بالإحراق لمن تخلف عن صلاة الجماعة أريد به المنافقون؛ لذكرهم فى أول الحديث، وهذا ليس ببيِّن؛ لأنه يحتمل أن يكون عليه السلام، أخبر المؤمنين أن من شأن المنافقين ثقل الفجر والعشاء عليهم فى الجماعة، فحذر المؤمنين من التشبه بهم فى ذلك، وامتثال طريقتهم، والله أعلم، وإنما ثقلت صلاة العشاء على المنافقين للزومها فى وقت ثقيل متصل بالنوم، فأشبهت صلاة الفجر فى ذلك، وقد قال عثمان بن عفان‏:‏ من شهد العشاء، فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح، فكأنما قام ليلة، وهو بيِّن فى ذلك‏.‏

باب اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ

- فيه‏:‏ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قال النَّبِيِّ عليه السلام‏:‏ ‏(‏إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى أقل اسم الجمع، فذهب قوم إلى أن الاثنين جمع، واستدلوا بهذا الحديث، وقالوا‏:‏ كل جماعة قليلة كانت أو كثيرة، فالمصلى فيها له سبع وعشرون درجة، قال إبراهيم النخعى‏:‏ إذا صلى الرجل مع الرجل لهما أجر التضعيف خمس وعشرون درجة، وهما جماعة‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ الثلاثة جماعة، روى ذلك عن الحسن البصرى، وقال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ فى حديث أبى بن كعب، أن النبى، عليه السلام، قال‏:‏ ‏(‏صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاة الرجل وحده‏)‏ دليل أن صلاة الرجل مع الرجل فى معنى الجماعة‏.‏

باب مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ

- فيه‏:‏ أَبو هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثِ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، لا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ، مَا دَامَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلا الصَّلاةُ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبو هُرَيْرَةَ، قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ‏)‏، وذكر منهم‏:‏ ‏(‏رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالْمَسَاجِدِ‏)‏‏.‏

قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الملائكة تصلى على أحدكم ما دام فى مصلاه‏)‏، تفسير لقوله‏:‏ ‏(‏ويستغفرون للذين آمنوا‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 7‏]‏، يريد المصلين، والمنتظرين للصلاة، ويدخل فى ذلك من أشبههم فى المعنى، ممن حبس نفسه على أفعال البرِّ كلها، والله أعلم‏.‏

قال المهلب‏:‏ فالصلاة من الملائكة استغفار ودعاء، وهى من الله رحمة، وقد فسر أبو هريرة الحدث فقال‏:‏ فساء أو ضراط، وقد روى عنه‏:‏ ‏(‏ما لم يحدث‏)‏‏:‏ ما لم يؤذ أحدًا، فتأول العلماء فى ذلك الأذى أنه الغيبة وشبهها، وإنما هو، والله أعلم، أذى الحدث، يفسر ذلك حديث النوم، لكن النظر يدل أنه إذا آذى أحدًا بلسانه أنه ينقطع عنه استغفار الملائكة؛ لأن أذى السب والغيبة فوق أذى رائحة الحدث، فإذا انقطع عنه استغفار الملائكة بأذى الحدث، فأولى أن ينقطع بأذى السب وشبهه‏.‏

باب فَضْلِ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ

- فيه‏:‏ أَبو هُرَيْرَةَ، قال نَّبِيِّ الله‏:‏ ‏(‏مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أوَ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ‏)‏‏.‏

فيه‏:‏ الحض على شهود الجماعات، ومواظبة المساجد للصلوات؛ لأنه إذا أعد الله له نزله فى الجنة بالغدو والرواح، فما ظنك بما يُعِدُّ له ويتفضل عليه بالصلاة فى الجماعة واحتساب أجرها والإخلاص فيها لله تعالى‏.‏

باب إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةَ

- فيه‏:‏ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى رَجُلاً من الأزد، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ لاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا‏)‏‏.‏

اختلف الناس فى تأويل هذا الحديث، فكرهت طائفة للرجل أن يركع ركعتى الفجر فى المسجد والإمام فى صلاة الفجر، واحتجوا بهذا الحديث، روى هذا عن سعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، وابن سيرين، وهو قول الشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبى ثور‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا بأس أن يصليها خارج المسجد ما تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة مع الإمام، هذا قول أبى حنيفة وأصحابه والأوزاعى، إلا أن الأوزاعى أجاز أن يركعهما فى المسجد‏.‏

وقال الثورى‏:‏ إن خشى فوت ركعة دخل معه ولم يصلهما، وإلا صلاهما فى المسجد‏.‏

وقال مالك‏:‏ إن خشى أن تفوته الركعة الأولى فلا يصليهما، وليدخل مع الإمام، كقول الثورى، إلا أنه قال‏:‏ وإن لم يخف فوت ركعة، فليركعهما خارج المسجد فى غير أفنيته اللاصقة به‏.‏

وحجة من أجاز أن يصليهما فى المسجد، ما روى عن ابن مسعود أنه دخل المسجد، وقد أقيمت الصلاة، فصلى إلى أسطوانة فى المسجد ركعتى الفجر، وذلك بمحضر حذيفة وأبى موسى، وروى مثله عن عمر بن الخطاب، وأبى الدرداء، وابن عباس، ذكره الطحاوى‏.‏

وحجة من قال‏:‏ يُصلى خارج المسجد، ما روى عن ابن عمر أنه صلاهما قبل أن يدخل فى المسجد فى الطريق، ثم دخل المسجد فصلى الصبح مع الناس‏.‏

وأما حجة أهل المقالة الأولى من طريق النظر، فقالوا‏:‏ تشاغله بالفريضة أولى من تشاغله بالتطوع‏.‏

واحتج الآخرون فقالوا‏:‏ قد أجمعوا أنه لو كان فى منزله، فعلم دخول الإمام فى صلاة الفجر، أنه ينبغى له أن يركع ركعتى الفجر ما لم يخف فوت صلاة الإمام، ولم يجعلوا تشاغله بالسعى إلى الفريضة أفضل من تشاغله بهما فى منزله‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ وقد روى أن النبى، عليه السلام، مرَّ بابن بحينة وهو يصلى بين يدى نداء الصبح، فقال‏:‏ لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة الظهر وبعدها، واجعلوا بينهما فصلاً، فأبان فى هذا الحديث أن الذى كرهه رسول الله لابن بحينة هو وصله إياها بالفريضة فى مكان واحدٍ دون أن يفصل بينهما بشىء يسير؛ لأنه كره له أن يصليهما فى المسجد، فإذا فرغ منهما تقدم إلى الصفوف فصلى الفريضة مع الناس، وقد روى مثل هذا المعنى فى غير هذا الحديث‏.‏

روى ابن جريج، عن عمر بن عطاء، أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد يسأله‏:‏ ماذا سمع من معاوية فى الصلاة بعد الجمعة‏؟‏ فقال‏:‏ صليت معه فى المقصورة الجمعة، فلما فرغت قمت لأتطوع فأخذ بثوبى فقال‏:‏ لا تفعل حتى تتقدم أو تكلم؛ فإن رسول الله كان يأمر بذلك‏.‏

ولم يختلفوا أنه من لم يُصل العشاء فدخل المسجد فوجدهم فى الإشفاع أنه جائز أن يصلى العشاء ناحيةً من المسجد بحيث يأمن تخليط الإمام عليه‏.‏

وقال الطحاوى‏:‏ يحتمل أن يكون النهى فى قوله‏:‏ ‏(‏الصبح أربعًا‏)‏؛ لأنه جمع بين الصلاتين من الفرض والنفل فى مكان واحد، كما نهى من صلى الجمعة أن يصلى بعدها تطوعًا فى مكان واحدٍ حتى يتكلم أو يتقدم‏.‏

وأما قوله فى الترجمة‏:‏ ‏(‏إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة‏)‏، فقد روى هذا اللفظ عن النبى، عليه السلام، رواه أبو عاصم، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن أبى هريرة، عن الرسول، إلا أن ابن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، أوقفوه على أبى هريرة، فلذلك تركه البخارى‏.‏

وأجمعوا أن من عليه صلاة الظهر، فدخل فى المسجد ليصليها فأقيمت عليه العصر، أنه لا يقطع صلاته، ويكملها‏.‏

قال مالك‏:‏ ومن أحرم بفريضة فى المسجد فأقيمت عليه تلك الفريضة، فإن لم يركع قطع بسلام، ودخل مع الإمام، وإن ركع صلى ثانيةً وسلم ودخل معه، وإن صلى ثالثةً صلى رابعةً، ولا يجعلها نافلةً ويسلم ويدخل معه، وإن كانت المغرب قطع، ودخل مع الإمام، عقد ركعةً أم لا، وإن صلى اثنتين أتمهما ثلاثًا وخرج، فهذا يدل أن حديث مالك المرسل عن أبى سلمة أن الرسول قال‏:‏ ‏(‏أصلاتان معًا‏؟‏‏)‏، إنما هو عندى فيمن اشتغل بنافلةٍ عن فريضةٍ، ولو كان فيمن اشتغل بفريضة لأمرهُ بقطع الصلاة، ولو كان فى الرابعة، أو الثالثة من المغرب‏.‏

قال الخطابى‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏لاث به الناس‏)‏، معناه‏:‏ أحاطوا به، واجتمعوا عليه، وكل شىء اجتمع والتبس بعضه ببعض فهو لائث، فقلب كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏على شفا جُرفٍ هارٍ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 109‏]‏، أى هائر‏.‏

وقال صاحب ‏(‏الأفعال‏)‏‏:‏ لاث الشجر والنبات، التف بعضه ببعضٍ، ولاق بغيره كذلك، ومنه‏:‏ لاث الإزار والعمامة‏:‏ إذا رد بعضها على بعض‏.‏

باب حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنه ذَكَر عندها الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، فقَالَتْ‏:‏ ‏(‏لَمَّا مَرِضَ النبى، عليه السلام، مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَأُذِّنَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مُرُوا أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ‏)‏، فَقلَت لَهُ‏:‏ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ، فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ‏)‏، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، فَصَلَّى، فَوَجَدَ الرسول مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ‏)‏‏.‏

فقِيلَ لِلأعْمَشِ‏:‏ وَكَانَ النَّبِيُّ يُصَلِّي، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ‏؟‏، فَقَالَ بِرَأْسِهِ‏:‏ ‏(‏نَعَمْ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ قوله‏:‏ باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة، معناه‏:‏ باب حدة المريض وحرصُه على شهود الجماعة، كما قال عمر بن الخطاب فى أبى بكر الصديق‏:‏ وكنت أدارى منه بعض الحد، يعنى بعض الحدة، والمراد بهذا الحديث الحض على شهود الجماعة والمحافظة عليها‏.‏

قال أبو عبد الله بن أبى صفرة‏:‏ وفيه من الفقه‏:‏ جواز الأخذ بالشدة لمن جازت له الرخصة؛ لأن الرسول كان له أن يتخلف عن الجماعة لعذر المرض، فلما تحامل على نفسه وخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض، دلَّ على فضل الشدة على الرخصة، ورغب أمته فى شهود الجماعات؛ لما لهم فيها من عظيم الأجر، ولئلا يعذر أحد منهم نفسه فى التخلف عنها ما أمكنه وقدر عليها، إذ لم يعذر نفسه عليه السلام، ولم يرخص لها فى حال عجزه عن الاستقلال على قدميه مع علمه أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبذلك عمل السلف الصالحون، فكان الربيع بن خثيم يخرج إلى الصلاة يهادى بين رجلين، وكان أصابه الفالج، فيقال له‏:‏ إنك لفى عذر، فيقول‏:‏ أجل، ولكنى أسمع المؤذن يقول‏:‏ حى على الصلاة، حى على الفلاح، فمن سمعها فليأتها ولو حبوًا‏.‏

وكان أبو عبد الرحمن السلمى يُحمل وهو مريض إلى المسجد‏.‏

وقال سفيان‏:‏ كان سويد بن غفلة ابن ست وعشرين ومائة سنة يخرج إلى الصلاة‏.‏

وكان أبو إسحاق الهمدانى يهادى إلى المسجد، فإذا فرغ من صلاته لم يقدر أن ينهض حتى يقام‏.‏

وقال سعيد بن المسيب‏:‏ ما أَذَّن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا فى المسجد‏.‏

وقول عائشة‏:‏ ‏(‏إن أبا بكر رجل أسيف‏)‏، يعنى‏:‏ سريع الحزن والبكاء، والأسف عند العرب‏:‏ شدة الحزن والتندم، يقال منه‏:‏ أسف فلان على كذا يأسف، إذا اشتد حزنه، وهو رجل أسيف وأسُوف، ومنه قول يعقوب‏:‏ ‏(‏يا أسفى على يوسف‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 84‏]‏، يعنى‏:‏ يا حزنا ويا جزعا؛ توجعًا لفقده وقيل‏:‏ قال الخزاعى‏:‏ الأسيف، الضعيف من الرجال فى بطشه، وأما الأسفُ، فهو الغضبان المتلهف، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولما رجع موسى إلى قومه غضبانٍ أسفًا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 150‏]‏‏.‏

باب الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ

- فيه‏:‏ ابْنَ عُمَرَ‏:‏ أنه أَذَّنَ بِالصَّلاةِ، فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَلا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ، يَقُولُ‏:‏ ‏(‏أَلا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ‏:‏ ‏(‏أنه كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ والمطر وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي، مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعات فى شدة المطر والظلمة والريح، وما أشبه ذلك مباح بهذه الأحاديث، ألا ترى أن عتبان بن مالك سأل النبى، عليه السلام، أن يصلى فى بيته مكانًا يتخذه مصلى إذا كان المطر والسيْل، ففعل ذلك؛ فدل أن شهود الجماعات سُّنَّة؛ لأنه لما سقط عنه الإتيان إلى الجماعة، وجاز له أن يصليها فى بيته منفردُا، وبقوله‏:‏ ‏(‏ألا صلوا فى الرِّحَال‏)‏ علم أنها سُّنة، ولو كانت الصلاة لا تجوز فى البيوت إلا جماعة، لما ترك الرسول بيانه لأمته؛ لأن الله أخذ عليهم ميثاق البيان لهم، ولقال لعتبان‏:‏ لا تصح لك فى مصلاك هذا صلاة منفردة حتى يجتمع معك فيه غيرك، فصح قول الجماعة أن الجمع سُنَّة، وإذا وسع التخلف عن الجماعة للظلمة والمطر، فالتخلف لعذر المرض مثله، وقد قال إبراهيم النخعى‏:‏ ما كانوا يرخصون فى ترك الجماعة إلا لخائف أو مريض‏.‏

باب هَلْ يُصَلِّي الإمَامُ بِمَنْ حَضَرَ، وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ

- فيه‏:‏ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أنه خَطَبَ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ ‏(‏حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ‏)‏، قَالَ‏:‏ قُلِ‏:‏ الصَّلاةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ‏:‏ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا، إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، يَعْنِي رسول الله، إِنَّهَا عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبَو سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ‏:‏ ‏(‏جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ، حَتَّى سَالَ السَّقْفُ- وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ- فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَسَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ‏:‏ إِنِّي لا أَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ مَعَكَ، وَكَانَ رَجُلا ضَخْمًا، فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ طَعَامًا، فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا، وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

فيه من الفقه‏:‏ أن الجماعات تقام بمن حضرها فى المساجد وفى البيوت‏.‏

وفيه‏:‏ أن المساجد لا تعطل فى المطر والطين ولا غيره‏.‏

وفيه‏:‏ أن الجمعة ليس لها عدد من الناس لا تجوز الصلاة دونهم‏.‏

وأجمعوا أنه لا يخطب يوم الجمعة على واحدٍ، ولا يصلى معه جمعة‏.‏

واختلفوا فى الاثنين‏:‏ فقال الليث‏:‏ يخطب الإمام باثنين، وقاله أبو حنيفة‏.‏

وقال بعض أصحابه‏:‏ لا يخطب إلا مع ثلاثة سوى الإمام‏.‏

وفيه‏:‏ أن الجمعة يُتخلف عنها فى المطر، كما يتخلف عن سائر الصلوات، وسيأتى ذلك فى كتاب الجمعة، إن شاء الله‏.‏

والدَّوْسُ‏:‏ الدرس، داست الخيل القتلى‏:‏ إذا وطئتهم، ودياس البقر مثله، من كتاب ‏(‏العين‏)‏، وقد تقدم تفسير الردغ فى باب الكلام فى الأذان‏.‏

باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ

وكان ابن عمر يبدأ بالعشاء‏.‏

وقال أبو الدرداء‏:‏ من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يُقبل على صلاته وقلبه فارغ‏.‏

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، قَالَ عليه السلام‏:‏ ‏(‏إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ، فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاةَ الْمَغْرِبِ، وَلا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ‏)‏‏.‏

- ورواه ابْنِ عُمَرَ، عن النبى أيضًا، قَالَ‏:‏ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلاةُ، فَلا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ منه، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإمَامِ‏.‏

وقال ابْنِ عُمَرَ مرةً‏:‏ قَالَ رسول الله‏:‏ ‏(‏إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلا يَعْجَلْ، حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى تأويل هذا الحديث‏:‏ فذكر ابن المنذر أنه قال بظاهره‏:‏ عمر بن الخطاب، وابن عمر، وهو قول الثورى، وأحمد، وإسحاق‏.‏

وقال الشافعى‏:‏ يبدأ بالطعام إذا كانت نفسه شديدة التوقان إليه، فإن لم يكن كذلك ترك العشاء، وإتيان الصلاة أحبُّ إلى‏.‏

وذكر ابن حبيب مثل معناه‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ عن مالك، يبدأ بالصلاة، إلا أن يكون طعامًا خفيفًا‏.‏

وقال أهل الظاهر‏:‏ لا يجوز لأحدٍ حضر طعامه بين يديه، وسمع الإقامة، أن يبدأ بالصلاة قبل العشاء، فإن فعل فصلاته باطلة‏.‏

وحجة الذين قالوا يبدأ بالصلاة، أنهم حملوا قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فابدءوا بالعشاء‏)‏ على الندب لما يخشى من شغل باله بالأكل فيفارقه الخشوع، وربما نقص من حدود الصلاة، أو سها فيها، وقد بين هذا المعنى أبو الدرداء فى قوله‏:‏ ‏(‏من فقه المرء إقباله على طعامه حتى يقبل على صلاته وقبله فارغ‏)‏، ولو كان إقباله على طعامه هو الفرض عليه لم يقل فيه‏:‏ من فقه المرء أن يبدأ به، بل كان يقول‏:‏ من الواجب عليه اللازم له أن يبدأ به، فبين العلة فى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ابدءوا بالعشاء‏)‏ أنها لما يخاف من شغل البال، وقد رأينا شغل البال فى الصلاة لا يفسدها؛ ألا ترى أن النبى صلى فى جُبة لها علم، فقال‏:‏ ‏(‏خذوها وائتونى بأنبجانية‏)‏، فأخبر أن قلبه اشتغل بالعلم ولم تبطل صلاته‏.‏

وقال عمر بن الخطاب‏:‏ إنى لأجهز جيشى وأنا فى الصلاة‏.‏

وقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يزال الشيطان يأتى أحدكم فيقول له‏:‏ اذكر كذا، حتى يضل الرجل، لا يدرى كم صلى‏)‏، ولم يأمرنا بإعادتها لذلك، وإنما استحب أن يكون المصلى فارغ البال من خواطر الدنيا؛ ليتفرغ لمناجاة ربه‏.‏

وقد اشترط بعض الأنبياء على من يغزو معه أن لا يتبعه من ملك بُضع امرأة ولم يبن بها، ولا من بنى دارًا ولم يكملها؛ ليتفرغ قلبه من شواغل الدنيا، فهذا فى الغزو، فكيف فى الصلاة التى هى أفضل الأعمال، والمصلى واقف بين يدى الله‏.‏

وقد احتج بهذا الحديث الكوفيون، وأحمد، وإسحاق، فى أن وقت المغرب واسع، وقالوا‏:‏ لو كان لها وقت واحد، ما كان لأحدٍ أن يشتغل فيه بالأكل حتى يفوت‏.‏

باب إِذَا دُعِيَ الإمَامُ إِلَى الصَّلاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ

- فيه‏:‏ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏رَأَيْتُ النبى يَأْكُلُ ذِرَاعًا يَحْتَزُّ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاةِ، فَقَامَ، فَطَرَحَ السِّكِّينَ، فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ‏)‏‏.‏

هذا الحديث يفسر أمر الرسول أن يبدأ بالعشاء قبل الصلاة، ويدل على أنه على الندب لا على الوجوب؛ لأنه قام إلى الصلاة وترك الأكل‏.‏

وقد تأول أحمد بن حنبل من هذا الحديث‏:‏ أن من شرع فى الأكل، ثم أقيمت الصلاة أنه يقوم إلى الصلاة، ولا يتمادى فى الأكل؛ لأنه قد أخذ منه ما يمنعه من شغل البال، وإنما الذى أمر بالأكل قبل الصلاة من لم يكن بدأ به لئلا يشغل به باله‏.‏

ويردُّ هذا التأويل أن ابن عمر قد روى فى الباب قبل هذا أن الرسول قال‏:‏ ‏(‏إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضى حاجته منه‏)‏، ومن كان على الطعام يقتضى تقدم أكله منه قبل إقامة الصلاة، وقد أمره الرسول ألا يعجل حتى يقضى حاجته منه، وهو خلاف ما تأوله أحمد بن حنبل‏.‏

باب فِيمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَخَرَجَ

- فيه‏:‏ الأسْوَدِ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عَائِشَةَ‏:‏ مَا كَانَ الرسول يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ‏؟‏، قَالَتْ‏:‏ ‏(‏كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ- يَعْنِى فى خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إِلَيها‏)‏‏.‏

لما لم يكن يذكر فى هذا الحديث أنه أزاح عن نفسه هيئة مهنته، دل أن المرء له أن يصلى مُشَمَّرًا، وكيف كان من حالاته؛ لأنه إنما يكره له التشمير وكفت الشعر والثياب إذا كان يقصد بذلك الصلاة، وكذلك قال مالك‏:‏ أنه لا بأس أن يقوم إلى الصلاة على هيئة جلوسه وبذلته‏.‏

وفيه‏:‏ أن الأئمة والعلماء يتولون خدمة أمورهم بأنفسهم، وأن ذلك من فعل الصالحين‏.‏

باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلاةَ النَّبِيِّ وَسُنَّتَهُ

- فيه‏:‏ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ‏:‏ أنه قال فِي مَسْجِدِ أبى قلابةَ‏:‏ إِنِّي لأصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ يُصَلِّي، فَقُلْتُ لأبِي قِلابَةَ‏:‏ كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي‏؟‏ قَالَ‏:‏ مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا، وَكَانَ الشَيْخ يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأولَى‏.‏

قال المهلب‏:‏ يجوز للإنسان من هذا الحديث أن يعلم غيره الصلاة والوضوء عيانًا وعملاً، كما فعل جبريل فى إمامته بالرسول حين أراهُ كيفية الصلاة عيانًا، وبهذا الحديث أخذ الشافعى فى أن كل من سجد السجدة الآخرة من الركعة الأولى أو الثانية، أنه لا يقوم حتى يستوى جالسًا، وهى صفة من صفات الصلاة، وقد ثبتت صفة أخرى عن النبى قال بها مالك وغيره‏:‏ وستأتى فى موضعها، إن شاء الله‏.‏

باب أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالإمَامَةِ

- فيه‏:‏ أَبو مُوسَى، قَالَ‏:‏ مَرِضَ النَّبِيُّ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مُرُوا أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ‏)‏، قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏مُرى أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ‏)‏، فَعَادَتْ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مُرِي أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ‏)‏، فَعَادَتْ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مُرِي أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ‏)‏، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ الرسول‏.‏

- روته عائشة‏.‏

- وأنس‏.‏

- وحمزة الأسلمى، عن النبى عليه السلام‏.‏

اختلف العلماء فى من أولى بالإمامة، فقالت طائفة‏:‏ يؤم القوم أعلمهم وأفضلهم، قال عطاء‏:‏ يؤم القوم أفقههم، فإن كانوا فى الفقه سواء فأقرؤهم، فإن كانوا فى الفقه والقراءة سواء فَأَسَنُّهم‏.‏

قال مالك، والأزواعى، والشافعى‏:‏ يؤم القوم أفقههم، وهو قول أبى ثور‏.‏

وقال الليث‏:‏ يؤمهم أفضلهم وخيرهم‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ القارئ أولى من الفقيه، هذا قول الثورى، وأبى حنيفة، وأحمد، وإسحاق‏.‏

واحتجوا بما رواه الأعمش، وشعبة، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبى مسعود البدرى، قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنَّة، فإن كانوا فى السُّنَّةِ سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا فى الهجرة سواء، فأقدمهم إسلامًا‏)‏، وزاد فيه شعبة‏:‏ ‏(‏ولا يؤم الرجل فى أهله، ولا فى سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه‏)‏، والتكرمة‏:‏ فراشه، قاله إسماعيل بن رجاء، وبما رواه ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال‏:‏ كان سالم مولى أبى حذيفة يؤم المهاجرين والأنصار فى مسجد قباء حين أقبلوا من مكة؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا، فيهم أبو سلمة بن عبد الأسود، وعمر بن الخطاب‏.‏

قالوا‏:‏ وحديث أبى مسعود معارض لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مروا أبا بكر يُصلى بالناس‏)‏؛ لأنه كان فيهم من كان أقرأ منه للقرآن‏.‏

قيل‏:‏ لا تعارض بينهما بحمد الله، ويحتمل أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم‏)‏ فى أول الإسلام حين كان حفاظ القرآن قليلاً وقت قدم عمرو بن سلمة، وهو صبى، للصلاة فى مسجد عشيرته وفيه الشيوخ، وكان تنكشف عورته عند السجود، فدل أن إمامته بهم فى مثل هذه الحال كانت لعدم من يقرأ من قومه، ولهذا المعنى كان يؤم سالم المهاجرين والأنصار فى مسجد قباء، حين أقبلوا من مكة مهاجرين، لعدم الحُفَّاظ حينئذ‏.‏

فأما وقت قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مروا أبا بكر يصلى بالناس‏)‏ فقد كان تقرر الإسلام وكثر حفاظ القرآن وتفقهوا فيه، فلم يكن الصديق، رضى الله عنه، على جلالته وثاقب فهمه، وتقدمه فى كل خير، يتأخر عن مساواة القُرَّاء، بل فضلهم بعلمه، وتقدمهم فى أمره، ألا ترى قول أبى سعيد‏:‏ وكان أبو بكر أعلمنا‏.‏

وقال الطبرى‏:‏ لما استخلف النبى صلى الله عليه وسلم الصديق، رضى الله عنه، على الصلاة بعد إعلامه لأمته أن أحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله صح أنه يَوْمَ قَدَّمَهُ للصلاة كان اقرأ أمته لكتاب الله وأعلمهم وأفضلهم؛ لأنهم كانوا لا يتعلمون شيئًا من القرآن حتى يتعلموا معانيه وما يراد به، كما قال ابن مسعود‏:‏ كان الرجل منَّا إذا تعلم عشر آياتٍ لم يجاوزهن حتى يتعلم معانيهن والعمل بهن‏.‏

ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يستحق أن يتقدمه أحد فى الصلاة وجعل ما كان إليه منها بمحضر جميع الصحابة لأبى بكر، رضى الله عنه، كان جميع أمور الإسلام تبعًا للصلاة، ولهذا قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة، والصلاة لا يقوم بها إلا الدعاة ومن إليه السياسة وعقد الخلافة؛ كصلاة الجمع والأعياد التى لا يصلح القيام بها إلا لمن إليه القيام بأمر الأمة وسياسة الرعيّة‏.‏

وصح أنه أفضل الأُمة بعدهُ لقيام الحجة بأن أولى البرية بعقد الخلافة أفضلهم وأقومهم بالحق وأعدلهم وأوفرهم أمانة وأحسنهم على محجة الحق استقامة، وكذلك كان الصديق، رضى الله عنه‏.‏

قال المهلب‏:‏ إن قال قائل‏:‏ إن عمر أعلم من أبى بكر، واستدل بحديث الذَّنُوب والذَّنُوبيْن، و ‏(‏فى نزعه ضعف‏)‏، قيل‏:‏ إنه ليس كما ظننت، إنما الضعف فى المدة التى وليها أبو بكر، لا فيه ولا فى علمه، إنما كان الضعف فى نشر السنن لقرب مدته وضعفها عن أن يتمكن بتثبيت؛ لأنه ابتلى بارتداد الناس ومقاتلة العرب‏.‏

وأما مراجعة عائشة، وحرصها أن يستخلف غير أبى بكر، فإنما خَشِيَتْ أن يتشاءم الناس بإمامة أبى بكر فيقولون‏:‏ مُذْ أمنَّا هذا فقدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى هذا عنها، رضى الله عنها‏.‏

باب مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإمَامِ لِعِلَّةٍ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏(‏أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ الصديق أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَوَجَدَ من نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ، فَأَومَأ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ‏)‏‏.‏

سنة الإمامة تقديم الإمام، وتأخير الناس عنه، ولا يجوز أن يكون أحد مع الإمام فى صف إلا فى موضعين‏:‏ أحدهما‏:‏ العلة التى فى هذا الحديث وما كان فى معناها، مثل أن يضيق الموضع، فلا يقدر على التقدم، فيكون معهم فى صف، ومثل العراة أيضًا إذا أمن أن يرى بعضهم بعضًا‏.‏

والموضع الثانى‏:‏ أن يكون رجل واحد مع الإمام، فإنه يصلى على يمينه فى الصف معه، كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم بابن عباس إذ أدارهُ من خلفه إلى يمينه، فإن صلى الإمام فى صف المأمومين بغير عذر، فقد أساء وخالف سنة الإمامة وصلاته تامة‏.‏

وقال الطبرى‏:‏ إنما أقام النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى جنبه؛ ليعلم الناس تكبير ركوعه وسجوده، إذ كان صلى الله عليه وسلم قاعدًا، وفى القوم ممن يصلى بصلاته من لا يراه ولا يعلم ركوعه ولا سجوده، فبان أن الأئمة إذا كانوا بحيث لا يراهم من يأتم بهم، أن يجعلوا بينهم وبين من يأتم بهم علمًا يعلمون بتكبيره وركوعه، تكبيرهم وركوعهم، وأن لمن لا يرى الإمام أن يركع بركوع المؤتم به، ويسجد بسجوده، وأن ذلك لا يضره ويجزئه أن لا يرى الإمام فى كل ذلك إذا رأى من يصلى بصلاته‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فلما رآه أبو بكر استأخر‏)‏، دليل واضح أنه لم يكن عنده مستنكرًا أن يتقدم الرجل عن مقامه الذى قام فيه فى صلاته ويتأخر، وذلك عمل فى الصلاة من غيرها، فكلُّ ما كان نظير ذلك، فعلهُ فَاعِل فى صلاته لأمر دعاه إليه، فذلك جائز‏.‏

باب مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ الإمَامُ الأوَّلُ فَتَأَخَّرَ الأوَّلُ، أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، جَازَتْ صَلاتُهُ

- فيه‏:‏ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ‏:‏ ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو ابْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلاةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ‏:‏ أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ فِي الصَّلاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لا يَلْتَفِتُ فِي صَلاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ، الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ‏؟‏‏)‏، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ مَا كَانَ لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَا لِي أرَاكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ‏؟‏، مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ، فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ‏)‏‏.‏

فى هذا الحديث من الفقه الرد على الشافعى، وأهل الظاهر فى إنكارهم استخلاف الإمام فى الصلاة، إذا نابه فيها ما يخرجه منها، من يُتم بهم صلاتهم، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم، جاء وقد صلى أبو بكر بالناس بعض الصلاة، فتقدم النبى صلى الله عليه وسلم، وصار الإمام، وصار أبو بكر مأمومًا بعد أن كان إمامًا، وائتم القوم بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا يأتمون بأبى بكر، وبنوا على صلاتهم، فكذلك حكم الإمام إذا سبقه حدث أو رعاف فقدم رجلاً، أن لهم أن يأتموا به بقية صلاتهم، ولا يضرهم خروج الإمام من موضعه، كما لم يضر الناس الذين كانوا يأتمون بأبى بكر، خروجهم من الائتمام به حين صار النبى صلى الله عليه وسلم إمامهم دون أبى بكر، قاله الطبرى‏.‏

وممن قال‏:‏ يجوز الاستخلاف فى الصلاة‏:‏ عمر، وعلى، ومن التابعين‏:‏ علقمة، وعطاء، والحسن، والنخعى، وهو قول مالك، والثورى، وأبى حنيفة، وقال الشافعى‏:‏ الاختيار أن يصلى القوم فُرادى، فإن قدموا رجلاً يصلى بهم أجزأهم، وهذا الحديث حجة عليه، وهو الأصل فى جواز الاستخلاف‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وفيه من الفقه خطأ قول من زعم أنه لا يجوز لمن أحرم بصلاة المكتوبة وصلى بعضها ثم أقيمت الصلاة أنه لا يجوز له أن يدخل مع الجماعة فى بقية صلاته حتى يخرج منها بتسليم، ثم يدخل معهم، فإن دخل معهم دون الإسلام فسدت عليه، ولزمه قضاؤها‏.‏

ودليل هذا الحديث خلاف لقوله؛ وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم ابتدأ صلاته التى كان صلى أبو بكر بعضها، وائتم به أصحابه فى بقيتها، فكان النبى مبتدئًا والقوم متممين، فكذلك حكم الذى صلى بعض صلاته، ثم أقيمت الصلاة، فدخل فيها مع الإمام يكون للإمام والذين أحرموا معه ابتداء، وتكون للرجل الذى دخل معه فيها بعد ما صلى بعضها تمامًا، إذا أتم بقيتها، وخرج من الائتمام فيما ليس عمله منها‏.‏

قال المهلب‏:‏ وفيه أن الإمام المعهود إذا أتى والناس فى الصلاة أنه ليس له أن يخرج من قدم إلا أن يأبى المستخلفُ أن يقيم فى الإمامة، وقد علم بلحوق الأفضل، كما فعل أبو بكر، ليستكمل فضل الرسول فى الإمامة‏.‏

وقد قال كثير من العلماء‏:‏ هذا موضع خصوص للرسول؛ لأنه لا يجوز التقدم بين يديه إلا أن يُقر ذلك عليه السلام، فلا يعزل المستخلف حتى يتم صلاته، إذ ليس من تباين الناس اليوم فى الفضل من يجب أن يتأخر له‏.‏

قال غيره‏:‏ ولسنا نقول‏:‏ إن أبا بكر لو تمادى لم يجزه ذلك، بل نقول‏:‏ إنه كان جائزًا له؛ لإشارة النبى‏:‏ أن امكث مكانك‏.‏

قال أبو عبد الله بن أبى صفرة‏:‏ وقد روى عيسى، عن ابن القاسم فى الإمام يحدث فيستخلف، ثم ينصرف، فيأتى، ثم يخرج المستخلف، ويتم الأول بالناس أن الصلاة تامة، قال‏:‏ فإذا تمت الصلاة، فينبغى أن يشير إليهم حتى يتم لنفسه، ثم يسلم ويسلموا، فيجوز التقدم والتأخر فى الصلاة، وهذا القول مطابق للحديث وبه ترجم البخارى، وأكثر الفقهاء لا يقولون بإمامين لغير عذر‏.‏

قال المهلب‏:‏ وقول مالك ذلك؛ لأنه لا يجوز عندهم الاستخلاف فى الصلاة إلا لعذر، ولا الصلاة بإمامين لغير عذر‏.‏

قال المهلب‏:‏ وقول مالك‏:‏ إنه من أحرم قبل إمامه أنه لا تجوز صلاته، وعليهم الإعادة، فإنه إنما أراد من ابتداء الصلاة بإمام واحد، فأحرموا قبله، ثم مضوا حتى أتموا الصلاة، وأما هذه الصلاة، فإن الرسول حين دخل فيها صاروا كلهم محرمين قبله، وتمت صلاته وصلاتهم‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ فى هذا الحديث دلالة على أن الرجل قد يكون فى بعض صلاته إمامًا، ومأمومًا فى بعضها، ويدل على إجازة الائتمام بصلاة من تقدم افتتاح المأموم الصلاة قبله‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وفى هذا الحديث الدلالة الواضحة على أن من سبق إمامه بتكبيرة الإحرام، ثم ائتم به فى صلاته، أن صلاته تامة، وبيان فساد قول من زعم أن صلاته لا تجزئه، وذلك أن أبا بكر كان قد صلى بهم بعض الصلاة، وقد كانوا كبروا للإحرام معه، فلما أحرم رسول الله لنفسه للصلاة بتكبيرة الإحرام، ولم يستقبل القوم صلاتهم، بل بنوا عليها مؤتمين به، وقد كان تقدم تكبيرهم للإحرام تكبيرهُ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ لا أعلم من يقول‏:‏ إن من كبر قبل إمامه فصلاته تامة إلا الشافعى، بناءً على أصل مذهبه أن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الإمام، وسائر الفقهاء لا يجيزون صلاة من كبر قبل إمامه، وسيأتى الحجة للجماعة فى ذلك فى باب‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏، إن شاء الله، وأذكر هنا طرفًا منها، وذلك أن النبى، عليه السلام، وإن كان كبر بعد تكبير أبى بكر، وبعد تكبير الناس، فإنه صار بمنزلة من استخلف، وصار تكبير القوم بعد تكبير الإمام الأول، وهو أبو بكر، والرسول الإمام الثانى يقوم مقام الأول، ألا ترى أنه بنى على صلاة أبى بكر، ولم يبتدئها، وإذا صح القول بالاستخلاف صحت هذه المسألة، ولم يلزم فيها أن يكون تكبير المأموم قبل إمامه، ولا يجوز أن يقضى بها على قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فإذا كبر الإمام فكبروا‏)‏‏.‏

قال غيره‏:‏ وفيه من الفقه فضل أبى بكر على سائر الصحابة وأنهم كانوا يؤهلونه فى حياة رسول الله لما صار إليه بعد وفاته من الخلافة، ولا يرون لذلك الموضع غيره‏.‏

قال المهلب‏:‏ وقول المؤذن لأبى بكر‏:‏ تصلى للناس، دليل على أن المؤذن هو الذى يقدم للصلاة؛ لأنه يخدم أمر الإمامة، وجماعة أهل المسجد، وهى ولاية ليس لأحد أن يتقدم إلى إمامة الجماعة إلا بأمره أو بأمر من ولى ذلك من المؤمنين‏.‏

وفيه‏:‏ أن الإمام ينتظر ما لم يُخش فوات الوقت الفاضل‏.‏

قال المهلب‏:‏ وفيه‏:‏ جواز إعلام المصلى بما يسره‏.‏

قال غيره‏:‏ وفيه‏:‏ أن الالتفات فى الصلاة للحاجة ومهم الأمر جائز‏.‏

وفيه‏:‏ شكر الله على الوجاهة فى الدين، وأن ذلك من أعظم النعم قال تعالى فى عيسى‏:‏ ‏(‏وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 45‏]‏‏.‏

وقال مالك‏:‏ أنه من أخبر فى صلاته بما يسرهُ، يحمد الله عليه، وله أن يتركه تواضعًا وشكرًا لله وللمنعم به‏.‏

باب إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ

- فيه‏:‏ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ‏:‏ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ، فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ رَحِيمًا، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلادِكُمْ، فَعَلَّمْتُمُوهُمْ، مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ لا خلاف بين العلماء أنهم إذا استووا فى القراءة والفقه والفضل، فالأسنُّ أولى بالتقديم، وموضع الدلالة من هذا الحديث على التساوى فى القراءة، وهو أن مالك بن الحويرث قال‏:‏ قدمنا على الرسول ونحن شببة، فلبثنا عنده نحوًا من عشرين ليلة، فاستدل بتقاربهم فى السن وتساويهم فى مدة التعليم، وإن كان بعضهم أقبل لها وأسرع حفظًا من غيره، أنهم قد تساووا فى تعليم ما تجزئهم الصلاة به، ولذلك رقَّ عليهم النبى وصرفهم إلى أهليهم، ولو لم يتعلموا ما يجزئهم فى الصلاة ما صرفهم حتى يتعلموه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فليؤمكم أكبركم‏)‏، فيه دليل أن الإمامة تستحق بالسن إذا كان معه علم وفضل، وأما إن تعرى السن من العلم والقراءة والفضل، فلا حظَّ للكبير فى الإمامة، بدليل تقديم النبى عمرو بن سلمة وهو صبى فى مسجد عشيرته، وفيهم الشيوخ والكهول‏.‏

باب إِذَا زَارَ الإمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ

- فيه‏:‏ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ عليه السلام، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ‏؟‏‏)‏، فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ، فَقَامَ، وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ فَسَلَّمْنَا‏)‏‏.‏

هذا الباب رد لما روى عن النبى أنه قال‏:‏ ‏(‏من زار قومًا فلا يؤمهم‏)‏، رواه وكيع عن أبان العطار، عن بديل بن ميسرة، عن أبى عطية، عن رجل منهم قال‏:‏ كان مالك بن الحويرث يأتينا فى مصلانا هذا، فحضرت الصلاة، فقلنا له‏:‏ تقدم، فقال‏:‏ لا، ليتقدم بعضكم، حتى أحدثكم لم لا أتقدم، سمعت رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏من زار قومًا فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم‏)‏، وهذا إسناد ليس بقائم؛ لأن أبا عطية مجهول يرويه عن مجهول، وصلاته عليه السلام فى بيت عتبان مخالف له، ويمكن الجمع بين الحديثين، وذلك أنه يحمل قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏من زار قومًا فلا يؤمهم‏)‏، لو صح، أن يكون إعلامًا منه أن صاحب الدار أولى بالإمامة فيه من الداخلين عليه، إلا أن يشاء صاحب الدار أن يقدم غيره ممن هو أفضل منه، فإنه يستحب له ذلك، بدليل تقديم عتبان بن مالك فى بيته للنبى عليه السلام، وحمل الحديثين على فائدتين أولى من تضادهما‏.‏

وقد روى ابن القاسم، عن مالك أنه‏:‏ يستحب لصاحب المنزل إذا حضر فيه من هو أفضل منه أن يقدمه للصلاة، ولا خلاف بين العلماء فى أن صاحب الدار أولى بالإمامة منه، وقد روى عن أبى موسى الأشعرى، أنه أم ابن مسعود وحذيفة فى داره، وفعله ابن عمر بمولى، فصلى خلف الموالى‏.‏

وقال عطاء‏:‏ صاحب الدار يؤم من جاءه، وهو قول مالك، والشافعى، ولم أجد فيه خلافًا‏.‏

باب إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ

وَصَلَّى الرسول فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ، وَهُوَ جَالِسٌ‏.‏

وقال ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الإمَامِ يَعُودُ، فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ، ثُمَّ يَتْبَعُ الإمَامَ‏.‏

وقال الْحَسَنُ‏:‏ فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإمَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَلا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ، يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأولَى بِسُجُودِهَا، وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ‏:‏ يَسْجُدُ‏.‏

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ قَالْت‏:‏ لما مَرَضِ النبى عليه السلام، قَالَ‏:‏ ‏(‏ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ‏)‏، قَالَتْ‏:‏ فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَصَلَّى النَّاسُ‏؟‏‏)‏، قُلْنَا‏:‏ لا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ‏)‏، قَالَتْ‏:‏ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ ثلاث مرات، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ، يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عليه السَّلام لِصَلاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَأَرْسَلَ رسول الله إِلَى أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ الرسول وَجَدَ فى نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الرسول بِأَنْ لا يَتَأَخَّرَ، قَالَ‏:‏ أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، وَهُوَ يَأْتَمُّ بِصَلاةِ رسول الله، وَالنَّاسُ يِصَلون بصلاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ قَاعِدٌ‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ صَلَّى النبى، عليه السلام، وَهُوَ شَاكٍ فِي بَيْتِهِ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ‏:‏ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَسِ قال‏:‏ رَكِبَ رَسُولَ اللَّهِ فَرَسًا، فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأيْمَنُ، فَصَلَّى صَلاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا‏:‏ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ‏)‏‏.‏

قَالَ الْحُمَيْدِيُّ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا‏)‏، هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ صَلَّى عليه السلام بَعْدَ ذَلِكَ جَالِسًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا، ولَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ فَالآخِرِ، مِنْ فِعْلِه عليه السلام‏.‏

قال المؤلف‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا‏)‏، فإن العلماء اختلفوا هل يكون عمل المأموم والإمام معًا أو بعده، فقال ابن حبيب‏:‏ قال مالك‏:‏ ويفعل المأموم مع الإمام إلا فى الإحرام والقيام من اثنتين والسلام، فلا يفعله إلا بعده، وقال أبو حنيفة، وزفر، ومحمد، والثورى‏:‏ يكبر فى الإحرام مع الإمام‏.‏

وروى سحنون، عن ابن القاسم فى العتبية‏:‏ إن أحرم معه أجزأه، وبعده أصوب، وهو قول عبد العزيز بن أبى سلمة‏.‏

وفى المجموعة عن مالك‏:‏ إن أحرم معه أو سلم يعيد الصلاة، وقاله أصبغ، وحققه ابن عبد الحكم، وقال أبو يوسف، والشافعى‏:‏ لا يكبر المأموم حتى يفرغ الإمام من التكبير، وقال ابن أبى زيد فى كتاب آخر‏:‏ والعمل بعده فى كل شىء أحسن؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا‏)‏، وقاله أحمد بن حنبل وهو معنى قول الشافعى‏.‏

وحجة هذا القول، قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا‏)‏، فجعل فعلهم عقيب فعله، فالفاء للتعقيب، وإذا لم يتقدمه الإمام بالتكبير، والسلام، فلا يصح الائتمام به؛ لأنه محال أن يدخل المأموم فى صلاة لم يدخل فيها إمامه، ولا يدخل فيها الإمام إلا بالتكبير، والإمام اشتق من التقدم، والمأموم من الاتباع، فوجب أن يتبع فعل المأموم بعد إمامه‏.‏

ووجه قول ابن أبى سلمة، وابن القاسم، وابن عبد الحكم أنه يجزئه إحرامه معه؛ لأن الائتمام معناه الامتثال لفعل الإمام، فهو إذا فعل مثل فعله، فسواء أوقعه معه أو بعده، فقد حصل ممتثلاً لفعله‏.‏

واختلفوا فيمن ركع أو سجد قبل إمامه، فروى عن ابن عمر أنه قال‏:‏ لا صلاة له، وهو قول أهل الظاهر‏.‏

وروى عن عمر بن الخطاب أنه من رفع رأسه قبل الإمام فى ركوع أو سجود، فليضع رأسه بعد رفعه إياه، كقول ابن مسعود، قال الحسن والنخعى‏:‏ إذا رفع من السجود قبله يعود فى سجدته قبل أن يرفع الإمام رأسه، وهو قول مالك، وأحمد، وإسحاق‏.‏

وقال الشافعى، وأبو ثور‏:‏ إذا ركع أو سجد قبله فأدركه الإمام وهو راكع أو ساجد فقد أساء، ويجزئه، وقد شذَّ الشافعى فقال‏:‏ إن كبر للإحرام قبل إمامه، فصلاته تامة‏.‏

وقال مالك والكوفيون‏:‏ إن كبر قبل إمامه كبر بعده، وأجزأه وإن لم يستأنف التكبير بطلت صلاته‏.‏

والحجة على قول الشافعى قوله فى حديث أنس، وأبى هريرة‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا‏)‏، ذكر ذلك البخارى فى باب ‏(‏إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة‏)‏، بعد هذا، وقد تقدم قبل هذا أن الفاء للتعقيب، ومن مذهب الشافعى الاقتداء بالإمام فى الفعل والمقام، وأن المأموم لو صلى قدام إمامه لم تصح صلاته، فيلزمهم فى تكبيرة الإحرام مثله‏.‏

فإن قالوا‏:‏ لو وقع منه سبق فى ركوعه لركوع الإمام لم تبطل صلاته، فكذلك فى تكبيرة الإحرام‏.‏

قيل‏:‏ الفرق بينهما صحيح، وذلك أنه لا يجوز أن يتحلل بالسلام من الصلاة قبل إمامه، فكذلك لا يجوز أن يدخل فيها قبله، وإذا أحرم بعده فلا يضره أن يقع سبق فى بعضها؛ لأن عقدها قد صح معه‏.‏

وأما قول الحسن فيمن ركع ولا يقدر على السجود، فإن العلماء اختلفوا فى ذلك، فقال الكوفيون‏:‏ يستحب له أن يتأخر حتى يرفع الرجل رأسه فيسجد بالأرض، فإن لم يفعل وسجد على ظهر رجل فقد أساء، وتجزئه وهو قول الثورى، والشافعى‏.‏

وقال مالك‏:‏ لا تجزئه ويعيد‏.‏

واحتج الكوفيون بما روى عن عمر قال‏:‏ ‏(‏من أذاهُ الحَرُّ، فليسجد على ثوبه أو على ظهر أخيه‏)‏، ولا مخالف له فى الصحابة، ذكره الطحاوى‏.‏

وأما قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏وإذا قال‏:‏ سمع الله لمن حمده، فقولوا‏:‏ ربنا ولك الحمد‏)‏، ففيه حجة لقول مالك، والليث، وأبى حنيفة أن المأموم يقتصر على أن يقول‏:‏ ربنا ولك الحمد، دون أن يقول‏:‏ سمع الله لمن حمده، سيأتى قول من خالف هذا فى بابه إن شاء الله، وكذلك اختلفوا فيمن صلى أمام إمامه، فقال الكوفيون، والثورى، والشافعى فى رواية البويطى‏:‏ لا تجزئه‏.‏

وقال مالك، والليث‏:‏ تجزئه، ذكره الطحاوى، وقال ابن المنذر‏:‏ إن قول إسحاق، وأبى ثور، كقول مالك، والليث، واحتج ابن القصار لمالك بأن دار آل عمر بن الخطاب كانت أمام المسجد، وكانوا يصلون بصلاة الإمام فى المسجد، ولا مخالف فيه، وحجة من خالف ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏، فإذا كان قدامه فقد خرج عن الموضوع‏.‏

قيل له‏:‏ إنما قيل الإمام؛ لأن أفعاله متقدمة لأفعالهم، ولم يرد بذلك الموضع؛ ألا ترى أن المأموم قد يقف عن يمين الإمام، فليس الإمام أمامه، ولو وقف الإمام عن ذراعين من الكعبة، ووقف المؤتمون به عن ذراع منها، لأجزأتهم صلاتهم، فثبت أن المراد اتباع أفعاله فى الصلاة، حتى توقع أفعاله بعد أفعاله، والله الموفق‏.‏

وأما قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏وإذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا أجمعون‏)‏، فاختلف العلماء فى إمامة الجالس، فقالت طائفة‏:‏ يجوز أن يؤم الجالس الجلوس إذا كان الإمام مريضًا، وإن كان من خلفه قادرين على القيام، روى هذا عن عطاء، وهو قول الأوزاعى، وأحمد، وإسحاق‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ يجوز أن يصلى القيام خلف الإمام القاعد، ولا يسقط عنهم فرض القيام، لسقوطه عن إمامهم، هذا قول أبى حنيفة، وأبى يوسف، والأوزاعى، وزفر، والشافعى، وأبى ثور، روى مثله الوليد بن مسلم، عن مالك، فقال‏:‏ أوجب إلى أن يقوم إلى جنبه من يُعلم الناس بصلاته، كما فعل أبو بكر‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا يجوز أن يؤم أحد قاعدًا، هذا قول مالك، والثورى، ومحمد بن الحسن، قال محمد‏:‏ وصلاته عليه السلام، قاعدًا فى مرضه خاص له، لا يجوز لأحد بعده، واحتج ابن القاسم‏:‏ بأن مالك حدثه عن ربيعة بأن أبا بكر كان الإمام بالنبى، ولا يجوز لأحد أن يؤم قاعدًا فى فريضة ولا نافلة، وإن عرض له ما يمنعه استخلف‏.‏

وحجة أهل المقالة الأولى‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏وإذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا‏)‏‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ وهذه سنة ثابتة ينبغى أن يصلى القعود، وإن كانوا لا علة بهم، وراء المريض الجالس، وقد فعل ذلك أربعة من أصحاب النبى‏:‏ جابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأسيد بن حضير، وقيس بن قَهْد، فدل ذلك من فعلهم أنه ليس بخاص بالنبى، عليه السلام، ولا منسوخ بفعله؛ إذ لو كان هذا، لعابه سائر الصحابة على هؤلاء الأربعة الذين فعلوه، وقد روى عبد الرزاق، عن أنس بن مالك أنه فعل مثله‏.‏

وأيضًا فإن صلاته عليه السلام، فى مرضه لا تشبه الصلاة التى أمر فيها بالقعود، حين جُحِشَ شقه؛ لأنها صلاة ابتدأ الإمام فيها قاعدًا، فعليهم القعود، لسنته عليه السلام، وصلاته فى مرضه هى صلاة أبى بكر ابتدأ فيها القيام، فقاموا خلفه ثم جاء النبى، عليه السلام، بعد ذلك فقعد إلى جنبه، وهو مريض فالصلاة على ما ابتدئت، فلا تشبه هذه هذه، ولا تنسخ هذه هذه، والأولى سُنة على معناها، والثانية سُنة على معناها‏.‏

وحجة أهل المقالة الثانية‏:‏ صلاته عليه السلام، فى مرضه الأخير بالناس قاعدًا وهم قيام، قالوا‏:‏ وهو ناسخ لصلاته بالناس جالسًا وهم جلوس‏.‏

قال ابن شهاب‏:‏ كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله كما قال الحميدى‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ واحتج أهل المقالة الثالثة وقالوا‏:‏ لا حجة لكم فى هذا الحديث؛ لأن رسول الله كان فى تلك الصلاة مأمومًا، وقد روى شعبة، عن نعيم بن أبى هند، عن أبى وائل، عن مسروق، عن عائشة، قالت‏:‏ صلى النبى فى مرضه الذى مات فيه خلف أبى بكر قاعدًا‏.‏

وروى ابن أبى مريم، عن يحيى بن أيوب، حدثنا حميد، عن ثابت البنانى، عن أنس ابن مالك‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبى بكر قاعدًا فى ثوب واحد مخالف بين طرفيه، فكانت آخر صلاة صلاها‏)‏‏.‏

واحتج عليهم أهل المقالة الثانية بأنه إن كان روى هذا، فإن أفعال النبى فى صلاته تلك تدل على أنه كان إمامًا، وذلك أن عائشة قالت فى حديث الأسود عنها‏:‏ ‏(‏فقعد رسول الله عن يسار أبى بكر‏)‏، وذلك قعود الإمام لا قعود المأموم؛ لأنه لو كان أبو بكر إمامًا له، لكان عليه السلام يقعد عن يمينه، فلما قعد عن يساره دل ذلك على ما قلناه، ذكره البخارى فى باب الرجل يأتم بالإمام، ويأتم الناس بالمأموم بعد هذا‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ وحجة أخرى وهى أن ابن عباس روى أن نبى الله كان إمامًا، وقال فى حديثه، فأخذ رسول الله فى القراءة من حيث انتهى أبو بكر، ولولا أنه كان عليه السلام الإمام ما قرأ؛ لأن تلك الصلاة كانت صلاة يجهر فيها بالقراءة، ولولا ذلك ما علم رسول الله بالموضع الذى انتهى إليه أبو بكر، ولا خلاف بين الناس أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام، كما يقرأ الإمام، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار‏.‏

وأما وجهه من طريق النظر، فإنا رأينا الأصل المجتمع عليه أن دخول المأموم فى صلاة الإمام قد يوجب فرضًا على المأموم لم يكن عليه قبل دخوله، ولم نره يسقط فرضًا عليه قبل دخوله، فمن ذلك أنا رأينا المسافر يدخل فى صلاة المقيم، فيجب عليه أن يصلى أربعًا ولم يكن ذلك واجبًا عليه قبل دخوله معه، وإنما أوجبه عليه دخوله معه، ورأينا مقيمًا لو دخل خلف مسافر فصلى بصلاته حتى فرغ أتى بتمام صلاة المقيم، فالنظر على ذلك أن يكون الصحيح الذى عليه فرض القيام إذا دخل مع المريض الذى سقط عنه فرض القيام ألا يسقط عنه فرض كان عليه قبل دخوله فى الصلاة‏.‏

قال غيره‏:‏ وما روى عن عائشة أن أبا بكر كان الإمام، فالروايات الثابتة عنها من رواية الأسود، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله، كلهم عن عائشة أن الرسول كان الإمام أكثر وأصح، وهو الذى صححه البخارى، ولو جعلنا ما روى عن عائشة متعارضًا، لكانت رواية ابن عباس حجة كافية فى ذلك، فلم يختلف عنه أن النبى، عليه السلام، كان الإمام‏.‏

وأما حديث ربيعة فلا يحتج بمثله لانقطاعه، وقد يحتمل أن يكون أبو بكر المتقدم فى صلاة من صلوات مرضه؛ لأن مرضه كان أيامًا، وخرج فيها مرارًا، ولا خلاف فى جواز صلاة المريض الجالس خلف القائم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فذهب لينوء‏)‏، أى‏:‏ تمايل ليتحامل على القيام، قال صاحب العين‏:‏ ينوء بالدابة، أى‏:‏ يميل بها، وكل ناهض بثقل كذلك، وفى القرآن‏:‏ ‏(‏إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 76‏]‏، وناء النجم ينوء‏:‏ مال إلى السقوط‏.‏

باب مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإمَامِ

قَالَ أَنَسٌ‏:‏ فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا‏.‏

- فيه‏:‏ الْبَرَاءُ قَالَ‏:‏ ‏(‏كَانَ النبى، عليه السلام، إِذَا قَالَ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ، حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ‏)‏‏.‏

وهذا الحديث حجة لمن قال من العلماء أن فعل المأموم يقع بعد فعل الإمام فى أفعال الصلاة كلها، وقد تقدم اختلافهم فى ذلك فى الباب قبل هذا‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ وقول أبى إسحاق‏:‏ حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا البراء، وهو غير كذوب، يريد أن عبد الله بن يزيد كان غير كذوب، ولا يقال للبراء‏:‏ أنه غير كذوب، قال يحيى بن معين‏:‏ وعبد الله بن يزيد هذا هو الخطمى، وهو جد الأنصارى الذى كان على الغارمين، وكان عبد الله بن يزيد واليًا لابن الزبير على الكوفة‏.‏

باب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ

- فيه‏:‏ أَبَو هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قَالَ النَّبِيِّ‏:‏ ‏(‏أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ، إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ، أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ‏)‏‏.‏

معنى هذا الحديث الوعيد لمن خالف إمامه فى أفعال الصلاة، ومن خالف الإمام، فقد خالف سنة المأموم، وأجزأته صلاته عند جمهور العلماء؛ لأن النبى، عليه السلام، لم يقل إن من فعل ذلك فصلاته فاسدة‏.‏

وفى المجموعة لابن القاسم، عن مالك‏:‏ أن من رفع قبل إمامه يظن أنه رفع، فليرجع ساجدًا أو راكعًا، ولا يقف ينتظره، فإن عجل الإمام فليتمادى ويجزئه، وهو قول أكثر العلماء، وقد تقدم فى ‏(‏باب إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏، من خالف هذا وزيادة فيه‏.‏

باب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى

وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف، وولد البغى، والأعرابى والغلام الذى لم يحتلم، لقول النبى، عليه السلام‏:‏ ‏(‏يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله‏)‏، ولا يمنع العبد من الجماعة لغير علة‏.‏

- فيه‏:‏ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأوَّلُونَ الْعُصْبَةَ، مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ، قَبْلَ مَقْدَمِ الرَسُولِ، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَسِ، قَالَ عليه السلام‏:‏ ‏(‏اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ أما العبد والمولى وولد البغى والأعرابى والصبى الذى لم يحتلم فإمامتهم جائزة؛ لأنهم كلهم دخلوا فى قوله‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله‏)‏، وهذا الحديث وإن كان أشار إليه البخارى، واعتمد عليه، فلم يخرجه فى مصنفه هذا، وقد ذكرته فى باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة وهو حديث حسن أخرجه المصنفون، وهو أصل فى معناه‏.‏

وممن أجاز إمامة العبد غير عائشة‏:‏ أبو ذر، وحذيفة، وابن مسعود، ومن التابعين‏:‏ الحسن، وابن سيرين، والنخعى، والشعبى، والحكم، ومن الفقهاء‏:‏ الثورى، وأبو حنيفة، والشافعى، وأحمد، وإسحاق‏.‏

وكره إمامته أبو مجلز، وقال مالك‏:‏ لا يؤم العبد الأحرار إلا أن يقرأ وهم لا يقرءون، ولا يؤمهم فى عيد ولا جمعة، والحجة له أن إمامة سالم للمهاجرين إنما كانت لأنه كان فى أول الإسلام، وكأن أكثرهم قرآنًا، ولم تجز إمامته فى الجمعة؛ لأنها لما سقطت عنه شبهه بمن لا تجب عليه أصلاً، ومن أجاز إمامته فيها قال‏:‏ إذا حضر الجمعة صار من أهلها وأجزأت عنه الركعتان إذا كان مأمومًا، فكذلك إذا كان إمامًا‏.‏

وأما قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم حبشى كأن رأسه زبيبة‏)‏، فقد رواه أنس عن النبى وقال فيه‏:‏ عبد حبشى، ذكره البخارى فى كتاب الأحكام‏.‏

ففيه حجة لمن أجاز إمامة العبد راتبًا وفى الجمعة وغيرها؛ لأنه عليه السلام إذا أمر بطاعة العبد الحبشى، فقد أمر بالصلاة خلفه، وقد قال النخعى‏:‏ رب عبد خير من مولاه‏.‏

وممن أجاز إمامة ولد الزنا إذا كان مرضيًا‏:‏ النخعى، والشعبى، وعطاء، والحسن، وقالت عائشة‏:‏ ليس عليه من وزر أبويه شىء‏)‏ ولا تزر وازرة وزر أخرى‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 64‏]‏، وهو قول الثورى، وأبو حنيفة، والأوزاعى، وأحمد، وإسحاق‏.‏

وكره إمامته‏:‏ عمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وقال مالك‏:‏ أكره أن يكون إمامًا راتبًا، وإنما ذلك لما يناله من الألسنة وتأثم الناس‏.‏

وأما الأعرابى، فإن كان عالمًا فهو والحضرى سواء، ولكن الكلام خرج فيمن كره إمامته على الأغلب من جهلهم بحدود الصلاة، وممن كره إمامته‏:‏ أبو مجلز، ومالك بن أنس، وقال‏:‏ لا يؤم الأعرابى وإن كان أقرأهم، لما ذكرنا من جهلهم بسنة الصلاة، وأجاز إمامته‏:‏ الثورى، وأبو حنيفة، والشافعى، وإسحاق‏.‏

وأما إمامة الصبى الذى لم يحتلم فأجازها‏:‏ الحسن البصرى، وهو قول الشافعى، وإسحاق، وأبى ثور، وكرهها‏:‏ عطاء، والشعبى، وهو قول مالك، والثورى، وأبى حنيفة‏.‏

وأجاز الإمامة من المصحف‏:‏ ابن سيرين، والحكم بن عتيبة، وعطاء، والحسن، وكان أنس يصلى وغلامه خلفه يمسك له المصحف، فإذا تعايا فى آية فتح عليه، وأجازه مالك فى قيام رمضان، وكرهه النخعى، وسعيد بن المسيب، والشعبى، ورواية عن الحسن، وقال‏:‏ هكذا يفعل النصارى‏.‏

باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ

- فيه‏:‏ أَبو هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّ نبى اللَّهِ قَالَ‏:‏ ‏(‏يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه‏.‏

وفيه‏:‏ أن الإمام إذا نقص ركوعه وسجوده أنه لا تفسد صلاة من خلفه، إلا أن ينقص فرض الصلاة، فلا يجوز اتباعه، فإن خيف منه صلى معه بعد أن يصلى فى بيته وتكون الصلاة نافلة، وقال غيره‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏فإن أصابوا فلكم‏)‏، أى‏:‏ أصابوا الوقت، وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏وإن أخطئوا‏)‏، يعنى‏:‏ الوقت، وكذلك كان بنو أمية يؤخرون

الصلاة تأخيرًا شديدًا، ويد على صحة هذا ما رواه أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏لعلكم تدركون أقوامًا يصلون الصلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم فصلوا فى بيوتكم فى الوقت الذى تعرفون، ثم صلوا معهم، واجعلوها سبحة‏)‏، ورواه ثوبان، وأبو ذر، عن نبى الله‏.‏

فهذا الحديث يفسر حديث أبى هريرة، ويدل أن قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فإن أخطئوا فلكم‏)‏، يعنى‏:‏ صلاتكم فى بيوتكم فى الوقت، وكذلك كان جماعة من السلف يفعلون، روى عن ابن عمر أن الحجاج لما أخر الصلاة بعرفة، صلى ابن عمر فى رحله، وثم الناس، ووقف، قال‏:‏ فأمر به الحجاج فحبس، وكان الحجاج يؤخر الصلاة يوم الجمعة، وكان أبو وائل يأمرنا أن نصلى فى بيوتنا، ثم نأتى المسجد، وكان إبراهيم يصلى فى بيته، ثم يأتى الحجاج فيصلى معه، وفعله مسروق مع زياد‏.‏

وكان عطاء وسعيد بن جبير فى زمن الوليد إذا أخر الصلاة أومأ فى مجالسهما، ثم صليا معه، وفعله مكحول مع الوليد أيضًا، وهو مذهب مالك فى أئمة الجور إذا أخروا الصلاة عن وقتها، وقد روى عن بعض السلف أنهم كانوا لا يعيدون الصلاة معهم‏.‏

وروى ابن أبى شيبة، عن وكيع قال‏:‏ حدثنا بسام قال‏:‏ سألت أبا جعفر محمد بن على عن الصلاة خلف الأمراء، فقال‏:‏ صل معهم، قد كان الحسن والحسين يعتدان الصلاة خلف مروان، قلت‏:‏ إن الناس كانوا يزعمون أن ذلك تقية، قال‏:‏ وكيف إن كان الحسن بن على ليسبُّ مروان فى وجهه وهو على المنبر حتى يولى، وقيل لجعفر بن محمد‏:‏ كان أبوك يصلى إذا رجع إلى البيت‏؟‏ فقال‏:‏ لا والله، ما كان يزيد على صلاة الأئمة، وقال إبراهيم‏:‏ كان عبد الله يصلى معهم إذا أخروا عن الوقت قليلاً، ويرى أن مأثم ذلك عليهم‏.‏